ترجمة: سالي منصور
تدقيق: ليام الجندي
عندما يُسأل القادمين الجدد أو المهاجرين القدماء عن الطبع السائد لدى السويديين, سوف يصفونهم بالخجل والعزلة وعدم اهتمامهم بخلق أي صلة تواصل مع الناس الآخرين. مع العلم أن لكل شخص طبعه الخاص ولا يمكننا التعميم على الجميع. لذلك رأينا أهمية التحقق من صحة مايقال والإطلاع على الموضوع من جميع الجوانب.
معظمنا يجد صعوبة في أخذ المبادرة عند التحدث إلى الغرباء أو حتى الأقرباء، و اننا نتفادى تكوين صداقات جديدة في معظم الأحيان. وعند المقارنة بالشعوب الاوروبية الاخرى, ستجدنا نحن السويديون أقل حديثاً, ولا نفضّل التواصل والتعبير عما نريد للآخرين. فلنأخذ زملاءك و معارفك السويديين كمثال: لعلّك لاحظت أنهم لطفاء ومتحضّرين في معظم الأحيان, ولكن نادراّ مايقوم أحداً منهم بمشاركة أي تفصيل شخصي معك, ولا يبدون أي اهتمام في معرفة أي تفاصيل عن حياتك الشخصية.
أهمية الخصوصية في الحياة اليومية للمجتمع السويدي
قد لاترى أن للخصوصية أهمية كبيرة في حياة السويديين إن استخدمت موقع ratsit.se من قبل, أو ان كنت علم بنظام مشاركة المعلومات عن طريق الرقم الوطني personnummer. ولكن مفهوم الخصوصية لدى السويديين أنها الحرية في أخذ القرارات الشخصية, وليست بإبقاء الأسرار والخفايا و السعي للتميٌز عن الآخرين. فهناك قناعة لدينا أن عدم لفت الانتباه يضمن عدم تكوين حكم أو فكرة مسبقة عن الشخص, مما قد ينعكس سلباً على طريقة تعامل الآخرين معه، وبذلك نرى في هذا النظام المجتمعي شكل من أشكال الحماية نوعا ما. وبناء على ذلك, التعبير عن الآراء الشخصية يتم فقط ضمن إطار العائلة والأصدقاء المقربون. أما في مكان العمل, سوف تجد أن الحديث العام يدور حول مواضيع عامة ومحايدة, غالباً تكون مبنية على أرقام وإحصائيات أو حقائق مثبتة.
لذلك عدم سؤال زملائك السويديون عن أمورك الشخصية لايعني تجاهلهم لك أو عدم اكتراثهم بك, بل يعكس احترامهم لخصوصيتك و رغبتك في عدم الإفصاح عن هذه المعلومات.
بالإضافة أنهم لا يريدون إثقالك بتفاصيل حياتهم الشخصية. إن كنت معتاد على الخلط مابين الامور الخاصة والعامة ربما تجد الطريقة السويديّة في وضع الحدود كنوع من العزلة و تفادي الخلطة مع الآخرين, وبالتالي تتكون الفكرة لديك بأن الشعب السويدي يتعامل بتحفظ.
المفهوم مختلف في مخيلتنا:
تؤكد بعض الدراسات أن السويديين يتصفون بالخجل بشكل عام. ولكن هذه الدراسات التي تسعى لإيجاد السمات الطاغية على الشعب, لا تفرق مابين إظهار الخجل أمام الآخرين والشعور الفعلي بالخجل. ففي واقع الامر لا يوجد دليل على ان شعور السويديين بالخجل يزيد عن بعض الشعوب الاخرى. فقد كشفت إحدى الدراسات التي تقوم بالمقارنة بين المجتمعات المختلفة والتي قام بها Åke Daun الخبير في دراسة العقلية السويدية في عام ١٩٨٥ ، أن عدد السويديين الذين يشعرون بالقلق الاجتماعي (وهو التعريف العلمي للشعور بالخجل) يقابله نفس العدد في المجتمع الأمريكي.

قد يكون السويديين فعليا أقل رغبة في التحدث بالمقارنة بالأمريكيّين ولكن ذلك لا يمثل أهمية كبرى لدى السويديين. ففي الحقيقة الشعب السويدي يرى أنه يمتلك مهارات تواصل اجتماعي أفضل بكثير من الشعب الأمريكي. وقد تبدو هذه الفكرة غريبة وغير متوقعة في بادئ الأمر، فمن المعروف ان الشعب الامريكي كثير التعبير والتحدث ولا يعرف عنه الخجل.
ولكن بالعودة إلى نفس هذه الدراسة نجد ان تعريف التواصل الجيد لدي السويديون يدور حول الإنصات إلى الآخر وليس إجادة التحدث. فما قد يجده القادمين الجدد أو المهاجرين القدامى من سلوك خجول كالإنصات أكثر من التحدث وعدم التطرق الى الامور الشخصية, هو في حقيقة الأمر ومن وجهة نظر السويديين انعكاس لعدة مبادئ كالتواضع، عدم التصنع، والرغبة الحقيقة في فهم الآخر.
وبذلك المفهوم ينظر إلى هذا السلوك بمنظور إيجابي في جميع جوانب الحياة، العملية والشخصية. ويمكن الاشارة ايضاً الى ان تقبل هذا السلوك بل الترحيب به في المجتمع ينتج عنه شعور الفرد بالراحة أكثر. فهو لا يواجه الضغط لتغير أسلوب تعامله مع الآخر والذي قد يحدث في المجتمعات الاخري عند تصنيفه بالشخص الخجول.
ما سبب هذه الفجوة بين ما نشعر به والانطباع الذي يصل عنّا للآخر ؟
إذا قمنا بتقبل الحقيقة ان غالبية السويديين لا يشعرون بالقلق الاجتماعي فإن المشكلة (إن اردت الاستمرار في تصورها كمشكلة) تكمن في عدم تفهم الآخر لهذه الطبيعة الخاصة. فلنأخذ ما يسمى بالمساحة الشخصية كمثال, فمن المعروف تفضيل السويديون لمساحة كبيرة بين الشخص والآخر ويظهر لديهم عدم الارتياح عند تقليل هذه المسافة كثيرا او اذا قام احدهم بالتواصل باللمس (كلمس الكتف مثلا). لذلك عندما يقوم شخص ما غير سويدي بالوقوف مقترباً للتحدث, كما هو معتاد أن يفعل ولكي يشعر بمرونة أكثر في التعامل، يقوم السويدي في هذه الحالة (لا شعوريّاً) بالتراجع بضع من الخطوات إلى الخلف للحفاظ على المسافة المعتاد عليها.
وقد يري الاخر هذا التصرف غير لائق أو غير مقبول. فعندما تتحدث إلى شخص ويقوم بالابتعاد عنك, يترك لديك انطباع غير جيد. ولكن يجب الانتباه بان ذلك الانطباع أحادي الجانب ولا يمثل المعنى المقصود في المنظور السويدي.
لذلك علينا جميعاً أن نأخذ بالاعتبار ارتباط الشعوب بثقافاتهم وعاداتهم الاجتماعية, ولذلك علينا تقبَل اختلاف سلوك وعادات بعض الأشخاص عن سلوكنا وعاداتنا الخاصة.
واليكم هذه النصيحة: عليك بمحاولة إعطاء معارفك السويديون بعض من المساحة
على سبيل المثال. عند التحدث, عليك بالوقوف على مسافة كبيرة نسبياً وبذلك تقوم بتشجيّع هذا الشخص على تقريب المسافة بينكما وذلك سوف يترك لديكما إنطباع جيد. وفي حالة التطرق إلى موضوع مثير للجدل فتشبّثك برأيك لن يفيدك بشيء, ولكن تفهّمك وجهة نظر الآخر وحتى الموافقة بعض الشيء, يقوم على ترغيب الشخص في التحدث باستفاضة أكثر عن آراءه الشخصية وبالتالي ستتعرف عليه أكثر. لا تتعجل في محاولة تبادل تفاصيل الحياة الشخصية ، فعندما يشعر هذا الشخص بالارتياح لك كصديق سيحدث ذلك تلقائيا.
ومع تطور هذه الصداقة واعطائها الوقت المناسب لن تتسم الشخصية السويدية بالخجل كما بدا لك من قبل. ومع مرور الوقت ستكتشف ايضاً أن هذه الصداقة هي من أنواع الصداقات التي تستمر إلى الأبد.
لمعرفة المزيد عن هذا الموضوع
– يمكنك البحث عن أعمال Åke Daun وخاصةً كتابه “العقلية السويدية”
– مقالة تم نشرها في Svenska Dagbladet عن تمسك السويديون بأنماط معينة (المقالة باللغة السويدية مستوى B2)
تجدون المقالة الأصلية لـ Sofi Tegsveden Deveaux هنا.
Written by Liam Aljundi
Liam is twenty years old and graduated from high school 2014 in Turkey. Currently he is redoing a more advanced program (International Baccalaureate Diploma) in Västerås. He has a great love for Mathematics and chemistry (science geek!) and is also interested in Metaphysics. He is a volleyball player and loves camping, hiking, biking and traveling.
Leave a Reply